الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

الإرهاب، الاستدمار وأجهزة النظام.. المعالجة والحلول!




الإرهاب، الاستدمار وأجهزة النظام.. المعالجة والحلول!


ان ما تجنيه بعض الثورات العربية من مآسي ودمار وهمجية وبربرية مقيتة، تضطرالعقل العربي لمراجعات فكرية حول التنشئة والتربية والصّنعة السلوكية والمعرفية والفكرية للفرد المسلم، فلا الوسطية والاعتدال تقدر الآن بوسائلها وادواتها من مقارعة النظام (ظاهريا) ولا تستطيع كذلك مواجهة الجماعات المتطرفة (شكليا)، بالرّغم من حيازة هذه المدرسة على الكثافة الفئوية الواسعة من المجتمع (باعتباره معتدل بالفطرة)، فالنظام يعتمد على القلة الحاكمة باجهزة قوية، والجماعات الارهابية هي كذلك قلة قليلة جدا سواء على مستوى الفكر او المنتمين اليها لكنّها تؤثر بوضوحها واصرارها واسلوب معيشتها في الحياة رغم الضعف!

لست مع تخويف المجتمع من هكذا حراك ثوري قائم على مطالب مشروعة ولا ضدها إذا تطلب الأمر وقوعها، لكن في نفس الوقت مقتنع أنّها ليست هي الحل الكامل والشامل والعميق لمعاناتنا ومآسينا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المتعددة، فعلى المفكرين والخبراء التفكير في اعداد مشاريع استراتيجية ونقل تجارب من شتى الأمم ودراستها بعمق واحاطتها بالظروف الثقافية والحضارية وفق السياق التاريخي والثقافي للأمة والأوطان العربية من أجل مغادرة نهائية لا جزئية لهذه الأزمات الصعبة والقائمة منذ عشرات بل مئات السنين.

وان الاستمرار في معالجة الأزمة بظاهرها دون باطنها، وفي شكلها دون محتواها والتعامل معها على أساس حدث لا ظاهرة شاملة وعميقة في المجتمع أو حقيقة مجتمعية معقدّة، وبخلفية من الحساسيات السياسية هو مضيعة للوقت، بل هو مشكلة مضافة لمشاكل تعددت واجهاتها وتفرقت الرؤية تجاهها حسب تخصص كل مثقف ومجتهد.

ما يحدث في ليبيا وجنوب السّودان وسورية والعراق (الآن) وشمال مالي وغيرها..، لن يكون وليس ببعيد عن اي دولة تنتمي للعالم الثالث (خاصة العربية)حدوث مثل هذه المشاهد والصور المؤسفة للمجتمعات ودون نتائج تذكر في الحريات والديموقراطية والعدالة والحوكمة الراشدة، فالمشكل اعمق بكثير من مناسبات سياسية وطروحات آنية لمعالجات وحلول ايديولوجية مختزلة في (أحزاب) و(ندوات سياسية) و(سقوط أنظمة) بطريقة كلاسيكية و(تشكيل حكومة وحدة وطنية) بحيل أنظمة معروف أجندتها وممارساتها.

وفي نفس الوقت أشاطر من يدعو لوجوب العمل السياسي بل ونقول هو ضرورة قُصوى للنّخب عند انعدام الحريات الحقيقية، لكن يبقى تأثيره بعيد عن مستوى تحقيق المبتغى الكبير والعظيم في تغيير الأجيال من السّيء الى الحسن، وعلى القيادات السّياسية الواعية مع ذلك تولية المشاريع الاستراتيجية الاهمية القصوى للخروج من العفن المجتمعي ومن الرداءة الفكرية وغياب الوعي الجماعي للأجيال الى مجتمع مدني قوي وتيارات واسعة قادرة بـ(صوت) على تغيير ما لم يغيّر طيلة عشرات السّنين من النّضال والممارسة والكفاح والخطب والتجمعات، لأنها أجيال لا تهتم للنقاشات الجزئية والفارغة من خلال سُمُو فكرها وصلابة قناعاتها وقوة وعيها وفاعلية تحركها وتأثيرها بمحيطها، إن إعداد الإنسان المثقف هو الوسيلة الوحيدة لبناء مجتمعات يمكنها القضاء وبسهولة على فساد أجهزة النّظام وحماية أمن البلاد من الجماعات المتطرفة والمدمرة لقيم الإنسانية.

ابراهيم هواري
أكمل القراءة

العامية كلغة تدريس تعيد نقاش الهوية في الجزائر إلى الواجهة !!



العامية كلغة تدريس تعيد نقاش الهوية في الجزائر إلى الواجهة !!




طفت إلى السّطح مؤخرا في الجزائر نقاشات وتجاذبات كبيرة على خلفية قرار لوزارة التربية والتعليم تعلن فيه تدريس أقسام الطور الابتدائي في سنتيه الأولى والثانية باللهجة العامية (الدارجة)، وهي لهجة عربية بالأساس اختلطت بكلمات ذات أصول لغوية متعددة كالأمازيغية والفرنسية والتركية والاسبانية لظروف تاريخية عرفتها البلاد على مر العصور مشابه تماما لتطور اللهجات العربية الأخرى في بقية البلدان ووصولها إلى ما هي عليه اليوم، ويعرف هذا القرار رفض شعبي يقوده مجموعة من النشطاء والجمعيات العريقة والأحزاب الإسلامية والشخصيات المحافظة ووسائل الإعلام الناطقة بالعربية. وتأتي هذه الضجة على إثر قيام وزارة التربية يومي 25 و26 جويلية يوليو الفارط بندوة وطنية لتقييم إصلاحات التربية والتعليم التي انطلقت منذ عام 2003 حسب ما أعلنت عنه الوزارة، وأشرفت الوزيرة "نورية بن غبريط رمعون" على الندوة التي أقيمت بقصر الأمم نادي الصنوبر وتحت الرعاية السامية لـ "عبد العزيز بوتفليقة" رئيس الجمهورية.

ويعتقد كثير من الوطنيين والإسلاميين أن الصراع حول الهوية انتهى وحسم أمره في الجزائر منذ مدة طويلة بنجاح الصحوة الإسلامية سنوات الثمانينات من القرن الماضي وبتمكن التيار العروبي داخل النظام في ذلك الوقت، وان مكوناتها المتمثلة في الإسلام والعربية لا يمكن لأحد مراجعتها أو فتح نقاش حولها مهما كانت المبررات، حيث ينص الدستور الجزائري أن الإسلام هو دين الدولة وان اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة. ومعروف في الجزائر أن الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" كان قد جمّد عمليا قانون تعميم استعمال اللغة العربية منذ اعتلائه رئاسة البلاد سنة 1999 من دون سبب واضح، وبقي هذا المشروع الذي أعاده سلفه الرئيس السابق "اليامين زروال" خلال سنوات حكمه إلى الواجهة مجمدًا طيلة 16 عاما من الحكم إلى الآن.



القرار والتفاعلات حوله، رفض واسع …



القرار الذي جاء بدايةَ في شكل تصريحات منسوبة إلى المفتش العام لوزارة التعليم ونقلتها وسائل الإعلام الوطنية، فجّر شبكات التواصل الاجتماعي التي تعاملت معه في بداية الأمر بسخرية كبيرة لكن سرعان ما تحولت القضية إلى صراع جديد قديم بين الفرنسية التي يعتبرها بعض الجزائريين غنيمة حرب ويناضلون من أجل أن تكون اللغة الأولى بالجزائر، والعربية التي يدافع عنها التيار الوطني المحافظ والذي يرفض بتاتا التنازل عنها كلغة وهوية توحد الجزائريين. والذي يرى كذلك أن من يفرض الفرنسية هم مجرّد أقلية نافذة كلفت نفسها بحماية المصالح الفرنسية في الجزائر وهي نفسها من تقود عمليات إضعاف مكانة العربية في الجزائر. وطالبت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" ذات السمعة العريقة وبعض النقابات التربوية وجمعيات أولياء التلاميذ بضرورة مقاطعة المدارس التي ستكون على الشكل الذي تريده الوزيرة بن غبريط وعدم إنجاح الدخول المدرسي المقبل (سبتمبر 2015) ودعت جمعية العلماء في بيان لها "عبد العزيز بوتفليقة" رئيس البلاد للتدخل وإيقاف هذا القرار الذي وصفه المتحدث باسم الجمعية عمار طالبي بالمهزلة.

هذا الرفض الجارف للقرار والذي اعتبر التدريس بالعامية هو تمييع للغة العربية وسعي متعمد لجعلها تتراجع لصالح تقدم اللغة الفرنسية، جعل الوزيرة مرتبكة فتخرج تارة لتنفي وجود القرار وتارة أخرى لتفسره وتتهم الآخرين بعدم فهمه، ولكن آخر ما استقرت عليه تصريحات الوزيرة عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة (حتى التلفزيون الرسمي) هو تأكيد لما ذهبت إليه وسائل الإعلام و لما صرح به سابقا مفتشها العام، بل الأكثر من ذلك هو أن القرار صدر في اختتام تلك الندوة على شكل توصيات عامة غير ملزمة لتأتي الوزيرة بعد ذلك وتؤكد أن تلك التوصيات ستكون نافذة ابتداء من الدخول المدرسي المقبل أي بعد أقل من شهر من الآن.


و تفاعلا مع القضية عقدت جريدة الحوار الجزائرية المنتمية إلى الصحافة المعربة ندوة دراسية حول القرار وناقشت فيه تداعياته، واستضافت مجموعة من الشخصيات كوزير الدولة السابق ابوجرة سلطاني ووزيرة الثقافة المقالة مؤخرًا نادية لعبيدي وأديب جمعية العلماء الهادي الحسني والإعلامي المعروف سلميان بخليلي وبحثت كلماتهم عن خلفيات المشروع واجمعوا على أن للقرار خلفية واضحة وهي محاربة الهوية الجزائرية في إحدى ابرز مكوناتها وإبعاد الأجيال عن لغتهم ولغة القرآن.
كما شككت جريدة صوت الأحرار المحسوبة سياسيًا على الحزب الحاكم الأفلان (جبهة التحرير الوطني) من مضمون الندوة ومحاور النقاش، ونوعية المؤطرين والمشاركين بها، حيث أوضحت الجريدة في عددها الصادر بتاريخ 9 أوت 2015 تحت عنوان ((التوصية بتدريس العامية، والأمازيغية بالحرف الفرنسي)) وهو ما من شأنه أن يفتح صراعًا بين ثلاث اتجاهات بخصوص الأمازيغية التي سيعمم تدريسها عبر 20 ولاية، الإتجاه الأول ينادي بتطوير كتابة اللغة عبر (تيفيناغ) والاتجاه الثاني يرمي إلى كتابتها باللغة العربية والثالث يرغب في حسم الأمر لصالح الحروف الفرنسية، وهو ما كشفت عنه الجريدة. ومن ضمن الانتقادات الموجهة للندوة كذلك هو إقصائها للوزراء السابقين خاصة الدكتور المعروف "علي بن محمد" وتوجيه الدعوة لنسبة كبيرة من مفتشي اللغة الفرنسية سواء كمحاضرين أو مشاركين!!


الانجليزية بدل الفرنسية … هل هو هجوم معاكس ؟

وفي استفتاء الكتروني قامت به إحدى أكبر صفحات فيس بوك تأثيرا وحضورا وتفاعلا في الساحة الإلكترونية الجزائرية (وان تو ثري فيفا لالجيري) حول جعل اللغة الانجليزية لغة أجنية أولى في التدريس بدل اللغة الفرنسية في الطور الابتدائي، بلغت نسبة التأييد للفكرة حوالي الـ 95 بالمائة من مجموع الأصوات التي تجاوزت 32 ألف خلال بضعة أيام فقط، وهي نسبة معبرة بكل تأكيد مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستفتاء شمل فقط مستخدمي فيس بوك.


نتيجة الاستفتاء كانت متوقعة ولكن تباين النسب شكل مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أحد، جعلت المنادين بجعل الانجليزية لغة أجنبية أولى يمثلون تيارا جارفا داخل الفضاء الالكتروني وقد عرفت تبريراتهم لهذا الاختيار انسجاما واضحا حيث أجمع المعلقون على ضرورة تعليم اللغة الانجليزية باعتبارها لغة عالمية أكثر انتشارا من غيرها وباعتبارها لغة أغلب المصادر العلمية المتوفرة كما اعتبروا أن الفرنسية تعرف تراجعًا كبيرًا مقارنة بلغات أخرى كانت أقل أهمية كالاسبانية والألمانية وحتى الصينية.








وانضم إلى نداء استبدال الفرنسية بالإنجليزية حسب جريدة الحياة الصادرة يوم 11 أوت 2015 وزير الحكومة الأسبق "احمد بن بيتور" والوزير السابق للتخطيط والإحصاء الخبير "بشير مصيطفى" ومجموعة من الإعلاميين، ودون النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي عريضة إمضاءات موجهة للوزير الأول عبد المالك سلال للفصل في هذا القرار.


وقد اعتبر عديد المتابعين أن هذه الحملة التي كان الفضاء الالكتروني مسرحا لها ونقلت أخبارها أغلب الصحف المعربة ردة فعل و(هجوما معاكسا) طبيعيا من قبل عامة الجزائريين الذين يرون أن (حراس معبد الفرنسية) في الجزائر يريدون ضرب هويتهم في مقتل، هذا طبعا دون إغفال الأسباب المنطقية والموضوعية التي تدفع نحو هذا الاتجاه. وقد يمثل طرح هذه القضية بهذا الشكل الواسع تهديدا مستقبليا لمكانة اللغة الفرنسية في الجزائر.


المعارضة والموالاة … وهل هناك مؤيد للقرارات ؟

من جهة أخرى وبعد أن عبرت أغلب الأحزاب المعارضة وكل الأحزاب الإسلامية عن مواقفها ورفضها، وهو ما كان متوقعا ومنتظرًا للمشروع الذي تحمله، لم تتقبل بعض أحزاب الموالاة المشكلة للحكومة هذه الحملة الرافضة للقرار ورأت في ذلك استغلالا للقضية وتسييسا لها، ولكنها في الوقت ذاته عبرت عن رفضها المطلق لقرارات الوزارة واتهمت الوزيرة كذلك بمحاولة أدلجة المدرسة الجزائرية وخدمة أجندات أجنبية كما جاء في تصريح "صديق شهاب" المتحدث باسم التجمع الوطني الديمقراطي (أحد أحزاب السلطة) وهوّن -في نفس الوقت- من التوصيات التي خرجت بها الوزارة في ندوتها واعتبرها غير جدير بالأهمية، مجددا دعمه للغة العربية ورفضه التنازل عنها كلغة رسمية ووطنية بالبلاد. وقد شكل موقف أحزاب الموالاة (جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي) مفاجأة لدى كثير من المتتبعين باعتبار أنها عادة لا تقحم نفسها في معارضة توجهات الوزراء الذين يعينهم الرئيس بوتفليقة وتساءل البعض عن سر التأخر في إبداء هذا الموقف وهل يكون للأمر علاقة بإيعازات من أطراف أخرى داخل النظام ؟


وسط كل هذا الزخم والتوجه الرافض للقرار يكون من السهل جدا ملاحظة المؤيدين لهذا القرار، فقد قاد هذا التأييد بعض الصحف والمواقع الالكترونية المفرنسة وعلى رأسها صحفيتي الوطن وليبرتي، وبعض الشخصيات ذات التوجه الاديولوجي التغريبي ويبرز من بين هؤلاء بقوة اسم "لويزة حنون" الأمينة العامة لحزب العمال اليساري (مترشحة للرئاسيات سابقَا) والتي أيّدت الوزيرة بشدة "نورية بن غبريط" وهاجمت كل من انتقد قراراتها واصفة إياهم بالرجعيين ودعاة الظلام. ومعروف عن حزب العمال اصطفافه الايديولوجي في كل فرصة مشابهة وهو حزب صاحب سياسة متذبذبة غامضة، حيث يعتبر نفسه معارضا، ولكن تأييد "لويزة حنون" الواسع للرئيس "بوتفليقة" ولقاءاتها مع قائد أركان الجيش "القايد صالح" وهجوماتها الكثيرة على أحزاب المعارضة الأخرى يجعل سلوكها السياسي غير مفهوم.



العرب لا يفهمون لغة الجزائريين.. لماذا؟

يعتقد الكثير من العرب أن لهجة الجزائريين غير مفهومة وأنهم لا يتقنون العربية الفصحى وأن عاميّتهم (الدراجة كما تسمّى) أقرب للفرنسية منها للعربية، إلا أن الواقع يفند هذه النظرة ومن يعرف الجزائريين وعايش لهجاتهم يتأكد أن لهم لغتين اثنتين لا تعتبر الفرنسية واحدة منهما، فجزء منهم يتحدث اللغة الأمازيغية بلهجاتها المختلفة، وهي لهجات بالأساس دخلت عليها كثير من الكلمات العربية والفرنسية والإسبانية، كما أن كثيرا من المتحدثين بها يتحدث العربية كذلك ويستعملها في يومياته، وجزء آخر يتحدث العربية بلهجاتها المختلفة وهم أكثر عددا وانتشارا حيث يتحدث سكان اغلب مناطق الجزائر بلسان دارج قريب جدًا من الفصحى، وأغلب كلماته لها أصل في اللغة العربية وهذا ملموس أكثر في الجنوب وبالمناطق الداخلية البعيدة عن الساحل كـ"الأغواط" و"الجلفة" و"المسيلة" و"الوادي" و"ورقلة" و"البيض" و"تيارت" و"النعامة" و"بسكرة"، بالإضافة إلى عدد معتبر من مدن الغرب الجزائري، وتعتبر هذه المدن الكبيرة بمساحتها وتنوعها الجغرافي وهي أماكن استقرار العرب تاريخيا حيث أن تلك المناطق استوطنها العرب الفاتحون بأعداد قليلة في البداية قبل أن تأتي الهجرة الكبيرة للقبائل العربية من بني هلال و بني سليم في القرن الرابع الهجري.


واللهجة الجزائرية بالأساس لهجة عربية كما سبق ذكره وقد اختلطت بكلمات ذات أصول لغوية متعددة كالأمازيغية والفرنسية والتركية والاسبانية وهذا طبيعي جدا لظروف تاريخية عرفتها البلاد على مر العصور، كما أن شساعة الرقعة الجغرافية للبلد تجعله يحمل لهجات كثيرة بدل اللهجة الواحدة وتزيد نسبة تركيز الكلمات الفرنسية في لهجة الجزائريين في بعض المدن الكبرى وخاصة العاصمة وهذا ما يعطي تلك الصورة النمطية عن اللهجة الجزائرية لأن النشاط الإعلامي والاقتصادي والتجاري والدبلوماسي والثقافي والاحتكاك مع الجنسيات الأخرى يكون عادة في عواصم الدول، كما أن تاريخ كل منطقة يعطيها خصوصية أكبر في لهجتها، فمثلا تنتشر كثير من الكلمات ذات الأصل التركي في بعض الولايات التي عرفت نفوذا تركيّا كبيرا أيام الحكم العثماني للجزائر كمدينتي البليدة والمدية مثلا.


ويؤكد المختصون على أن للقضية علاقة بالإعلام والفن والسينما حيث أن دول المغرب العربي لا تقدم إنتاجا سينمائيًا بالقدر الذي تقدمه دول المشرق العربي ولا يتوفر لها حضور كبير على المستوى الإعلامي مقارنة بالمشارقة الذين تغزو مسلسلاتهم وأفلامهم وأغانيهم جميع الدول العربية وبشكل مكثف بلغ درجة الدبلجة اللغوية للإنتاج الأجنبي باستعمال لهجات شامية ومصرية، وللعامل التاريخي دور في ذلك حيث تزامنت بداية الإنتاج الفني في مصر مثلا مع الاستعمار الفرنسي الوحشي الذي عرفته الجزائر وجيرانها أي منذ خمسينيات القرن الماضي. وتهيمن القنوات الفضائية المشرقية خاصة المصرية والخليجية واللبنانية على الإعلام العربي منذ مدة، وتعتبر لهجاتهم هي المسيطرة على الإنتاج التلفزيوني وهي الأسهل استيعابا وتقبلا عند المشاهد العربي للأسباب سالفة الذكر.


وقد عُرف للجزائر ودول المغرب العربي قامات كبيرة خدمت اللغة العربية فكرا وأدبا كالإمام "البشير الإبراهيمي" (من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) والذي يحظى بمكانة مرموقة جعلته يتقدم أدباء المشرق والمغرب في زمانه بالمؤتمرات والملتقيات الدولية وكذلك الوزير الراحل "مولود قاسم نايت بلقاسم" الأمازيغي القبائلي الذي خدم اللغة العربية في مواجهة الفرنسية داخل دواليب الحكم والشاعر الكبير "مفدي زكريا" الأمازيغي الميزابي مؤلف النشيد الوطني الجزائري والشاعر التونسي الكبير "أبو القاسم الشابي" وغيرهم كثيرون، كما عُرف بين السياسيين أن الزعيم الراحل "هواري بومدين" والرئيس الحالي "عبد العزيز بوتفليقة" من أفصح الرؤساء لسانا ومن أفضل الرؤساء العرب طلاقة في الكلام بالعربية والفرنسية.


العربية.. لغة عزلت رؤساء وثبتت آخرين!


يقول الدكتور "عثمان سعدي" رئيس (الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية) أن أسوأ فترة عرفتها اللغة العربية بالبلاد هي فترة حكم "عبد العزيز بوتفليقة"، وانتقد بشدة التجميد الذي يعاني منه قانون تعميم استعمال اللغة العربية في شتى المجالات والقطاعات خاصة بالإدارة. ويقول سعدي في حواره مع صحيفة (الشرق الأوسط) أن الفرنسيين الذين يحاربون اللغة العربية بالجزائر لهم قانون حماية اللغة الفرنسية الصادر في 1994، بمناسبة ذكرى مائتي سنة لقانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية، الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة 1794.

وأشار كذلك إلى انه في الجزائر وأقطار المغرب العربي أربع لغات، هي العربية الفصحى، والعربية الدارجة، والبربرية، والفرنسية. أما في فرنسا فهناك ست لغات جهوية أكثر عراقة من اللغة الفرنسية، لكن الدولة الفرنسية ترفض الاعتراف بها. ويعتبر دائمًا الدكتور سعدي اللوبي الفرانكفوني انه وراء هذه الحرب المعلنة ضد اللغة العربية، وهو تيار داخل السّلطة أنهى مهام الرئيس الراحل "الشادلي بن جديد" لأنه وقّع تعميم استعمال اللغة العربية، وأنهى مهام الرئيس "اليامين زروال" لأنه ألغى تجميد القانون المذكور.

ويعتبِر الدكتور "احمد بن نعمان" أن اللغة العربية رمز للوحدة وللهوية الجزائرية وليست فقط لغة كغيرها من اللغات بالجزائر ولا يمكنها أن تكون كذلك، ويجب أن تظل رمزًا للتجميع لا للخلاف والتفريق، ويُعتبر "أحمد بن نعمان" أحد الشخصيات الوطنية المدافعة عن اللغة العربية وعن هوية الشعب الجزائري ضمن محاضرات وندوات ومؤلفات ومؤتمرات عديدة وهو أمازيغي وليس عربي. كما صرح الدكتور "محي الدين عميمور" الدبلوماسي والوزير الأسبق أن وزارة التربية ارتكبت مجازر في حق اللغة العربية بقرار تدريس التلاميذ بالعامية ودعا إلى ضرورة تبسيط اللغة الفصحى بدل استعمال العامية وتقنين تواجدها بالمدارس والمؤسسات التعليمية.




"بوتفليقة" يتعمد الغموض ليصنع من نفسه بطلا منقذا ..!


وفي ظل حدة الاستقطاب التي ميزت هذه القضية لدى الرأي العام الجزائري هذه الأيام، تبقى إمكانية التراجع عن القرار لدى السّلطة في يد رئيس البلاد "عبد العزيز بوتفليقة"، ويتجه عدد من المتابعين إلى القول بأن تغذية الشارع بصراع الهوية هي محاولة إعادة الثقة بين النظام والشعب من خلال تهديده في هويته ومن ثم حمايتها وصناعة بطولة سياسية للرئيس "بوتفليقة"، وهذا ما حدث مؤخرًا لوزيرة التجارة السابق "عمارة بن يونس" الذي أقيل مؤخرًا بعد ضجة مماثلة حول قانون تعميم تراخيص بيع الخمور لدى تجار التجزئة، وهو ما لاقى معارضة شعبية عارمة داخل العمق الجزائري عجلت ربما برحيله من الوزارة جعلته حديث العام والخاص وظهر كما لو أن "بوتفليقة" استجاب للرأي العام بعزله للوزير الذي استفز الجزائريين بقانون يصادم هويّتهم الدينية وسط تجاهل لحقيقة أن الرئيس هو من أتى بالوزير وثبّته. فهل سيتصرّف الرئيس الجزائري على نفس المنوال في هذه القضية ؟


إبراهيم هواري


_____________________

المصادر:




















أكمل القراءة

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

على هامش التّجديد !


 
الواقع الذي نعايشه يفرض علينا اتّباع أسلوبٍ معيّنٍ للعيشِ ومواكبة الأحداث ، وما يفرضه سيأتي مدعِّمًـا لمجرياتِه المتنوّعة ، وسيأتي ليكثّف المواقف المُتّخذة على مدار الأيّام والأشهر والسّنوات من طرفِ مختلف الفئات العُمريّة (المسيطرة) .. وفي مختلفِ المجالات.

ولكنّنا ومهما حاولنا أن نعيش بعيدًا عن الأحداث التي نسبح في فلكها كلّ يومٍ فإنّنا لن نستطيع ، والسّبب ببساطة هو اِنتماؤنا واِستحالة اِستقلاليّتنا على الواقع المجتمعيّ الذي نحن جزءًا منه ، ومهما حاولنا أيضا أن نؤثّر فربّما سنجد صعوبة بالغةً أو أنّنا سنصطدم بتأثيراتٍ أخرى تحول بيننا وبين ما نريد ، سواءً لقلّة عددنا أو لقلّة عتادنــا .. والعتاد المقصود هو العلميّ والفكريّ والتوعويّ والتّربويّ وحتّى العتاد المتمثّل في القوّة والحِكمة..

إذْ أنّ ما يفرضه علينا الواقع من اِتّباعٍ لأسلوبِ حياةٍ معيّنٍ يكون النّتيجة الحتميّة التي نصل إليها عند فشلنا في تحقيق التّأثير المطلوب لغيابِ المعاول الموضّحة سابقًا..

وبالتّالي قد يجد الفرد نفسه يقوم بأعمالٍ لا يفقهها ، أو يحمل شهادة جامعيّة لتخصّصٍ لا يرغبه ! ، وعندما تسأله يقول لكـ : " واقع العمل ببلدنا يفرض عليك أن تكون مهندسا أو طبيبًا أو أيّ شيءٍ ءاخر من أجل تأمين مستقبلكـ ! " .. وهذا هو النّاتج الذي تحدّثنا عنه سابقا ، لأنّه نابع عن عدم القدرة في التمسّك بما نريد ، وأن نبدع فيه حتّى نطوّره ليحتلّ درجة التّأثير في المجتمع ثمّ التّغيير ..

والتّغيير هنا سيأتي حتما بشيءٍ جديدٍ لم يكن من قبلُ ، سواء في عالم الأفكار أو الأشياء أو الأشخاص ، فالفكرة الجديدة التي يُعوّل عليها إذا أخذت نصيبها من التّجسيد ، تكون محلّ الاِعجاب أو التعجّب ، وتواجدها بين متناقضين قد يؤدّي بها إمّا إلى التّرسيخ أو إلى التّهميش ، وقِس على ذلك كلّ ما يتعلّق بالأشياء والأشخاص ..

فالشّيء الجديد بغضّ النّظر عن نوعيّته أو مجال اِستخدامه ، فإنّه سيتواجد هو الآخر بين متناقضين ، فيكون مصيره إمّا التّوظيف (باِستخدامه فيما ينفع المجتمع) أو التّوقيف (بوأدِه عند الأعداد الضّئيلة الأولى) .. ويبقى الأشدّ من ذلكـ كلّه هو عالم الأشخاص ، فالشّخص المُبدع المختصّ ، المحبّ لتخصّصه سيكون هو الآخر محلّ متناقضين ، فإمّا التّأثير (بتمسّكه وادراكه الجيّد لما يريد) أو التأثّر (وهو تخلِّيه على ما يريد من أوّل الطّريق وببساطة شديدة).

ويبقى هنا عالم الأشخاص هو المتحكّم ، لأنّه الذي يملك نقاط القوّة أو الذي يمتلك نقاط الضّعف ، فالفرق بين شخصٍ مؤثِّرٍ وءاخر متأثّرٍ هو الملكيّة الخاصّة للعتاد العلميّ والفكريّ والتوعويّ والتربويّ وحتّى العتاد المتمثّل في القوّة والحكمة..

فالله تباركـ وتعالى جاء في كتابه الكريم مخاطبًا الأشخاص بكلّ ما يحملونه من قلبٍ وعقلٍ وفكرٍ وحواسٍّ وبصيرة ، فلمّا قال تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتمْ مِن قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُون بِهِ عَدُوّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ... " الأنفـال آ (60).. جاء فعل الأمر يُخاطب الأشخاص ، يخاطبنــا نحن ، يخاطب كلّ شخصٍ مسلمٍ مؤمن صادف هذه الآية..

يخاطبنا بماذا ؟ بأن نُعدّ ، بل ويأمرنا بذلكـ ، على حدِّ قدرتنا واستطاعتنا ، فلا يكلّف اللهُ نفسًا إلّا وُسعها ، ماذا نعدّ ؟ ما هذا العتاد والعدّة التي طلبها ربُّنا تعالى منّا ؟ إنّها القوّة .. القوّة بكلّ معانيها ، الجسديّة والعقليّة والفكريّة ، القوّة بكلّ متطلّباتها ، وفي كلّ المجالات ، 'قوّة' جاءت هكذا نكِرة وليست معرِفة ، لتكون أعمّ وأشمل من أيّ شيءٍ ءاخر ، كي لا يتفلسف أحدٌ ويقول هي القوّة العسكريّة ، أو السّياسيّة أو الاِقتصاديّة .....

كلّ ما قد يُصنّف تحت مصطلح 'قوّة' فهو معنيّ ، كما أنّ كلّ من صادف هذه الآية فهو معنيٌّ أيضا .. 'ومن رباط الخيل' ، وقد يكون هنا المعنى أعمّ أيضا ، قد يتعدّاه لأيّ رباطٍ آخر ، فالرّباط هو الجهاد بمفهوم أشمل وأعمق ، هو التّضحية ، هو أيّ شيءٍ يعكس الفهم الجيّد والرّغبة المُطلقة..

'تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكمـ' ، ولم يقل تٌخيفون ، فأن 'تُرهب' أكثر من أن تخيف ، أن 'تُرهب' هو أن تزعزع وتُزلزل ، أن 'تُرهب' هو أن تُخلط حسابات الطّرف الآخر ، أن تجعله يفقد رُشده وترتيبَ أفكاره ، أن 'تُرهب' هو أن تتحكّم أنت بالأمور فتسيطر عليها وتسيّرها .. أن 'تُرهب' هو أن تقلب موازين القوى لصالحكـ ، و تُعيد تركيب الواقع بحسب رؤيتكـ أنت !

'عدوّ اللهِ وعدوّكم' وهنا مربط الفرس ، المطلوب أن نعِي جيّدا من هم أعداء الله وأعداءنا ، أمّا المشركون فلا نقاش فيهم ، وأمّا المنافقون والظّالمون فكذلكـ ، ولكن وجب معرفتهم ، ومواجهتهم..

والواقع المرير هو الآخر عدوّ لنا ، لأنّه يعرقل حركتنا ونشاطاتنا ، ولأنّه يكبح محرّكاتنا فيمنعنا التقدّم ، و يُكسر منحنى نموّنا فيُبعدنا عن التطوّر ، ولأنّه يقف بوجه كلّ محاولة من أجل تحقيق النّهضة والحضارة ..

ذلك الواقع ، وبكلّ ما فيه من أشخاصٍ يَدعون للفساد فهو العدوّ الوحيد لنا حاليًّا ، وللتغلّب عليه وجب أن نُعدّ أنفسنا بعمقٍ ، أو أن نتهيّأ لمقاومتهِ بشدّة ، مقاومةٍ نستمدّها ونحقّقها اِنطلاقا من 'قوّة' نمتلكها ونديرها بشكلٍ جيّد..
'وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ' ، هنا الفضل الكبير أيضا ، أن تجد نفسكـ 'تُرهب' أعداءً لم تكن تعلمهم ، أشخاصًا لم تضعهمـ بالحسبان يومًا ، أن تجد نفسكـ تُنجز ما لا تتوقّع ، تُحزن وتُبكي من لم تتوقّع ، في تلكـ اللّحظة يُمكن لأعمالكـ أن تكون هي المُنجية لهذا الواقع (اليوم) والمُنجية لكـ حين تشفع لكـ (غدًا).

وهكذا .. فعالم الأشخاص هو الذي سيُنجب الفكرة ويصنع الشّيء، هو الذي سيُجهض كلّ تخلّف يمكن أن يتمخّضه الواقع ، عالم الأشخاص سيأتي بالجديد دومًا وسيحارب القديم..

ولكن .. ليس أيّ عالم ، ليست أيّة تركيبة ستقوم بالمهمّة السّابقة ، إنّه يجب من 'قوّة' وقبل القوّة ، نحتاج 'رغبةً' في اِمتلاك تلك القوّة ، ونحتاج 'رسالةً ساميةً' تكون محلّ توظيف تلكـ القوّة ، ونحتاج 'تشخيصًا' جيّدًا للواقع من أجل اِدراكِ أعداء تلكـ الرّسالة ، ومعرفة نقاط 'قوّتهم' أيضًا ونقاط 'ضعفهم'..

وما تبقّى من العوالم الأخرى فهو نتيجة ، نتيجة لشخصٍ جيّد ، يمتلك العدّة ، نتيجة لتركيبة وبنيةٍ متينة يُمكن التّعويل عليها ، فعالم الأفكار يأتي تِباعًا ليزيد الفردَ سموًّا وبالتّجسيد يتحقّق التّجديد ، وعالم الأشياء يأتي ناتجا عن ذلكـ التّجسيد ، وهو أكبر دليل عن التّجديد..

الأزمة كلّها أنّنا نعيش بهذا الواقع بطريقة عشوائيّة ، لا نُدركـ ما نريد ، ولا ما يُريد أعداؤنا ، ولا نُدركـ ما نملكـ من معطياتٍ ولا ما هو المطلوب منّا ، في هذا الواقع ، أزمتنا هي اللّا معرفة .. واللّا فهم..    وذلك ما جعلنا دومًا نعيش على هامش التّجديد أو لا نفكّر فيه أبدًا.
فاِدراك الاِنسان لما يجري حوله ، واعتقاده بقدرته على التّغيير تعدّ أوّل خطوة ستقوده لخوض تجربة التّجديد بعمقٍ ، وتحقيق التّغيير المُنتظر وفق أسس إصلاحيّة يحتاجها المجتمع.

أكمل القراءة