الخميس، 25 أبريل 2013

اللحظة التاريخية الفارقة والبحث عن مشرق جديد

منذ بدء التدوين، أوضح التاريخ للإنسان أن هناك عجلة لا تتوقف عن الدوران، تقلب الموازين في لحظات خاصة وفريدة لا تتكرر في القرن مرة أو مرتين على الأكثر يمكن تسميتها (باللحظة فارقة)، لحظة تغير شكل الخرائط والأفكار وتصنع فرقاً في كل الأشياء حولنا، ويصبح المستقبل ملكا للعارف بهذه اللحظات المقبل عليها والمنفعل بها.

المتأمل في لحظتنا الآنية تاريخياً وسياسياً واقتصادياً يدرك تماماً أنها لحظة فارقة، فعلى المستوى الدولي، تشهد تقهقراً للولايات المتحدة الأمريكية؛ القوة التي تفردت بحكم العالم في العقدين الماضيين.. يبدو ذلك جلياً في انسحابها من العراق، وانكسارها في أفغانستان، وأزمتها الاقتصادية التي أثقلت قرارها السياسي... وقيدت أطماعها في منطقتنا بشكل خاص... تشاركها في هذه الأزمة.. أوروبا الحاضرة إلى جانبها غالباً...حليفتها في كل المشاهد التي مرت بمنطقتنا... فتخرج أمريكا من المنطقة محاولة إعادة رسم استراتيجياتها إلى منطقة الباسفيك وجنوب شرق آسيا.. التي تشهد نمواً اقتصاديا وسياسياً لعدة قوى... ويزداد نفوذ الصين كقوى من العيار الثقيل عاماً بعد آخر، وتبرز روسيا محاولة إعادة إنتاج نفسها، كل تلك التغيرات كفيلة بإفقاد التفاهمات والتوازنات في العالم قيمتها وقوتها الحقيقية...هذه التجاذبات والانسحابات- غير المأسوف عليها- أنتجت معادلة جديدة، حررت فيها المنطقة من التحكم الكامل للقوى الكبرى، مازال بكل تأكيد هناك نفوذ قوي لهذه الدول، لكن بالمقابل فإن إمكانية الفعل وهامش المغامرة والقرار السياسي للقوى الإقليمية أصبح كبيراً جداً.

وعلى الصعيد العربي، فإن اللحظة الدولية الفارقة تكتسب عمقا جديدا، فالثورات الشعبية المباركة، تغير كل يوم من واقعنا، وتعيد رسم مفاهيمنا للمستقبل، والإنجاز الأكبر للثورات العربية أنها حررت العقل العربي من أوهام العجز، فاكتشف الناس أنهم أقوياء، وانطلقوا يحطمون قواعد ظننا يوما أنها قدر لازم، واليوم لن يصبح بالإمكان تعيين رئيس أو انتداب ابنه نائباً محتملاً، ولن يصبح بالإمكان بيع المقدرات الوطنية بتوقيع شخص واحد فقط، الإملاءات لم يعد لها مكاناً مع الساسة الذين أوصلتهم أصوات الشعوب إلى سدة الحكم.

أما التحالفات الاقليمية التي عرفتها منطقتنا في العقدين الفائتين فقد انهارت هي الأخرى، لقد انهدم حلف ما كان يسمى بالاعتدال العربي، وتشظى ما عرف بحلف الممانعه، لتعيش المنطقة فراغا استراتيجيا، يجلب بعض الفرص وكثير من المخاطر.

اننا مطالبون أن نتفاعل مع اللحظة التاريخية الفارقة، وأن نطلق حوارا كبيرا حول مستقبل المشرق وأممه، فالاضطراب في موازين القوى الدولية وحالة السيولة التي تعيشها المنظومة الغربية تحديدا تشكل فرصة كبيرة لأبناء المشرق العربي الإسلامي، فإذا أضفنا الى ذلك حالة السيولة في الواقع العربي نتيجة للثورات ، فإننا أمام فرصة يمكن أن نستعيد فيها رسم خارطة المشرق الجديد وفق مصالح أممه وشعوبه، لا مصالح الغرب ولا الشرق.

وهنا علينا الانتباه إلى أن اللحظة الدولية الحالية عابرة، علينا أن نستفيد منها قبل أن تغلق هذه النافذة بفرصها الكامنة، وتلتئم القوى الكبرى مرة أخرى وتستعيد توازنها وتنشب أظافرها فينا عقودا قد لا نرى فيها لحظة فارقة أخرى. وعلينا ان ننتبه الى أن لحظة الثورة الشعبية العربية ليست وردية، وليست لحظة مثالية، بل هي حالة انتقال مرت سابقاً على الشعوب في الشرق والغرب، يلازمها التضحية والخلاف والاختلاف ولا تمنح هدية لأحد، ولذلك نقول للشامتين بالربيع العربي أو المترحمين على الديكتاتوريات المنصرفة أو القانطين بسبب الفوضى والتطاحن السياسي في مصر و تونس والبلدان الأخرى ، إن الزلزال الاستراتيجي الشعبي الذي ضرب منطقتنا وغير هذه الحسابات وكشف لنا أوهام العجز تستدعي الصبر والتأني، فإمكانية التعامل مع كافة هذه المتغيرات في لحظة واحدة ضرب من التعجيز، ولذلك نكرر ونقول علينا أن نستدعي الصبر والتأني والسمو، وأقصد بالسمو، سمواً فوق المصالح الحزبية الضيقة ومشاعر الانتقام والسلطة، وسموا فوق الأيدلوجيات، بحيث نستطيع البحث عن المصلحة العليا والقيم الكبرى والمشترك بين أبناء الوطن ليلتف الجميع حولها، ولنا في أوروبا التي لم تفرقها مذهبيات فقط بل ديانات ولغات وأنهار من دماء نموذجاً واقعياً لكيفية الالتفاف حول القيم الكبرى والمصالح العليا.

لقد فُتحت نافذة فرصة كبيرة في منطقتنا ويجب استغلالها قبل أن تنغلق، وأساس هذه الاستفادة في أن نبني نظاما إقليميا متوازنا، يحقق مصالح أبناء المشرق وأممه، وأن ينبني هذا النظام على روح المشرق كما عرفناه منذ ١٤٠٠ عام، مشرق متصالح مع تاريخه، منسجم مع ذاته. 
 وضاح خنفر